جمعية آدم لسرطان الطفولة

Adam Childhood Cancer Society

حول سرطان الطفولة حول أنواع الأورام معالجات السرطان العناية الداعمة الرئيسية

 


 

مقـدمـة

       

      من النتائج المباشرة للتطورات الهائلة في وسائل و أنماط معالجات الأورام المختلفة، أن تمكن ما يزيد عن 80 % من الأطفال المُعالجين من اجتياز مرحلة الخمس سنوات شفاء القياسية، بزيادة 45 % عن سنوات الستينات، و بتزايد أعداد الأطفال الناجين و إمتداد فترات حياتهم لأطول من الأجيال السابقة، أصبح من الممكن إجراء الأبحاث و الدراسات المستفيضة حول المسائل المتعلقة بتطورهم الصحي على المدى الطويل، فيما أصبح يُعرف ببحوث التأثيرات و المضاعفات المتأخرة للسرطـان و معـالجاته، و قد تبين للباحثين أنه يمكن لعلاجات السرطان أن تؤثر بشكل كبير و بدرجات متفاوتة على صحة الأطفال الناجين لعدة سنوات لاحقة، سـواء خـلال فترات و أطـوار نموهم و مرورهم بمراحل المراهقة و البلوغ و الرشد، أو إلى أبعد من ذلك خلال سنوات متأخرة من العمر.

و تقترن هذه المضاعفات إجمالا بالتأثيرات على النمو البدني و الذهني للطفل، إضافة إلى تأثيرات تظهر على المدى البعيد ببعض الأعضاء الحيوية، إلا أن الأهم قد يكون زيادة عوامل الخطورة، أي العُرضة لتطور أورام ثانوية غير الورم المُعالج، حيث نسبة خطر نشوء ورم ثانوي تتراوح بين 3 % إلى 12 % خلال العشرين سنة التالية لتشخيص و معالجة أي نوع من أورام الأطفال، و خصوصا مخاطر نشوء بعض أنماط إبيضاض الدم أي اللوكيميا.

    و تنجم المضاعفات و الآثار المتأخرة عن تضرر الأنسجة و الخلايا السليمة بالجسم جرّاء معالجات السرطان المختلفة، من جراحات و علاج إشعاعي و تأثيرات بعض فئات العقاقير الكيماوية، إضافة إلى عمليات زرع نُقى النخاع العظمي، و تشمل العوامل المباشرة المؤدية إلى ذلك إصابة الخلايا بالعـوز الغذائي، و الأذى الدائم للخلايا المختلفة و لبُـنية الأنسجة و الأعضاء، و كذلك موت الخلايا السليمة، و على الرغم من ظهور أغلب هذه المضاعفات نتيجة تلقي العلاجين الكيماوي و الإشعاعي على الأخص، إلا أن الجراحات بدورها قد تؤدي إلى ظهور بعضها لاحقا، و خصوصا عند الحالات حيث أجريت جراحات معقدة و متوسعة شملت رقعة كبيرة من الجسم.

      و كما هو معـروف، يتجاوب جسم كل طفل مع المعـالجات بطريقة و نمط خاص و فريد، و كما تختلف أنمـاط الاستجابة و التفاعل تجاه الأورام و علاجاتها من طفل لآخر، كذلك الأمر مع المضاعفات العلاجية المتأخرة، و التي تعتمد بشكل كبير على نوع و نمط المعالجات المتلقاة و جرعاتها و فتراتها الزمنية، و بطبيعة الحال تزداد نسبة الخطورة عند الأطفال الصغار جدا، حيث هم الأكثر عُرضة لهذه المضاعفات نتيجة تعرضهم للمرض و علاجاته القوية خلال فترة مبكرة من العمر، تكون فيها البُنية الجسدية ضعيفة و ما زالت تحت أطوار النمو المختلفة.

و مثلما تتطلب معالجة أورام الأطفال عناية فائقة و متخصصة، فكذلك الحال مع المضاعفات المتأخرة التي قد تظهر عقب سنوات طويلة من انتهاء المعالجات، إذ تستلزم متابعة متنبهة و مراقبة دقيقة تحسبا لظهور أي من أعراضها، الأمر الذي سيمكّن من تمييزها مبكراً و من ثم معالجتها و إدارة تعقيداتها.

  نستعرض في الفقرات التالية نبذة عن الجوانب المختلفة للمضاعفات المتأخرة لمعالجات الأورام.


 

 

 

 

التأثيرات على الدمـاغ و الجهاز العـصبي المركزي

        أثبتت الدراسات وجود علاقة ما بين الحقن الغِمدي ( intrathecal ) للعقاقير الكيماوية في السائل المُخّي الشوكي المحيط بالحبل الشوكي و الدماغ، و بين نقص القدرات التعليمية و ضعفها لدى الأطفال، و يظهر ذلك بشكل أكثر شيوعا لدى الأطفال ممن تلقـوا الجرعات العلاجية بالسن ما دون الخامسة من العمر، و تصبح في اغلب الأحوال جلية للعيان خلال فترات تمتد من سنتين إلى خمس سنوات عقب تلقي المعـالجات، و تتركز بصفة خاصة عند الأطفـال ممن خضعوا لتوليفة مشتركة من العـلاج الكيماوي الغِمدي و العلاج الإشعاعي للدماغ.

      و يظهر هذا النمط من العجز الذي يُعرف بالضعف المعرفي ( cognitive impairment ) بشكل تقليدي كانخفاض بمعدلات الذكاء بحوالي من 10 إلى 20 نقطة عند اختبارات قدرات التعلم، إضافة إلى مشاكل و صعوبات أخرى تشمل المهارات البصرية الحركية، و ضعف الذاكرة و تشتت أو نقص الانتباه و التركيز الذهني، أما ضعف المهارات غير اللغوية مثل الرياضيات، فيظهر على وجه الخصوص عند من تلقوا العلاج الكيماوي الغِمدي و العلاج الإشعاعي بصفة مشتركة، و رغم أن الأطباء يحاولون دوما التقليل من مثل هذه التأثيرات بتجنب إعطاء هذين العلاجين معًا، إلا أنه ثبت أن الحقن الغِمدي منفردا يمكنه أن يتسبب بحدوثها عند بعض الحالات.

      كما يمكن للعلاج الإشعـاعي سواء منفـردا أو مشتركا مع العلاج الكيمـاوي أن يؤثر على مستوى الذكـاء و الإدراك لدى الأطفال، و خصوصا من هم بسنّ المدرسة و بنفس الوتيرة، فقد يواجهـون مصاعب بقدرات التعـلم و غالبا بالمهارات اللغـوية و الذاكـرة، و التي يمكن أن تزداد سوءا بمرور الوقت، إضافة إلى الخمول و انخفاض سرعة معالجة المعلومات و بطء ردود الفعل، و تجدر الإشارة إلى أن ذلك يتناسب عكسيا مع عمر الطفل، فكلما كان اكبر سنا عند تلقي المعالجات كلما قلّ الضرر الممكن حدوثه.

و من تأثيرات العلاج الإشعاعي المهمة على الجهاز العصبي المركزي على المدى الطويل حدوث العجز في هرمونات النمو، مما قد يؤدي إلى صغر القوام و قصر القامة عن معدلها الطبيعي، و يُعد الأطفال المُعالجين بالعلاج الإشعاعي للجمجمة و العمود الفقري قبل سن الخامسة أكثر عرضة لمخاطر نقص النمو، و يعود ذلك إلى الأذى الإشعاعي الواقع على منطقة ما تحت المهاد بالدمـاغ أي الوِطاء ( hypothalamus ) و هي المسؤولة عن تنظيم النمـو، و قد تدعو الحاجة أحيانا إلى استخدام الإعاضة الهرمونية بإعطاء هرمونات النمو التعويضية لمعالجة الحال.


 

 

 

 

التأثيرات على النمـو

        يُعد انخفاض وتيرة النمو الطبيعي خلال معالجات أورام الطفولة من المشاكل المعتادة، و قد يظهر قدر معين من التأخر عن هذه الوتيرة بشكل يتفاوت من طفل لآخر، و قد تصبح بعض الآثار، مثل قصر القامة، دائمة عند بعض الحالات كنتيجة لتأخر النمو الطبيعي، و في اغلب الأحوال يكون تأثير العلاج الكيمـاوي بإبطائه وتيرة النمـو مؤقتا حين يُعطى منفردا دون العلاج الإشعـاعي، و من ثم يعود اغلب المرضى للوتيرة الطبيعية في آخر الأمر، إلا أن تأثيرات الجرعات العالية من بعض العقاقير تبقى لوقت أطول.

و يمكن للعلاج الإشعاعي أن يتسبب في تأثيرات جدّية مباشرة على النمو الطبيعي للعظام و العضلات التي تدخل ضمن حقل الإشعاع، بما في ذلك إشعاع منطقة الرأس بطبيعة الحال، مما قد يؤدي إلى إبطاء وتيرة هذا النمو و التطور في أي مرحلة عمرية، فالعظام و الأنسجة الرخوة و العضلات و الأوعية الدموية، هي أنسجة حساسة للإشعاع خلال دورات النمو السريع، و لذلك يُعد الأطفال في سن تقل عن الخمس سنوات أو من يمرون بمرحلة البلوغ، التي تتسارع فيها بعض أنماط النمو، أكثر عرضة لمخاطر هذه التأثيرات، و إضافة إلى إبطاء النمو قد يظهر شيء من عدم التماثل بنمو الأعضاء، و مشاكل بالمفاصل مع ما يتبعها من الآم، و نشوء ما يُعرف بهشاشة و ترقق العظام ( osteoporosis )، إضافة إلى التأثيرات على الأسنان و تأخر نموها و التي تستلزم عناية خاصة بدورها.

        و تجدر الإشارة إلى أن الكيفية التي يؤثر بها الإشعاع على هذا النمو لا تزال غير مفهومة على وجه الدقة، و لعل الإجابة تكـمن في كيفية تأثيره على منظومة الغدد الصماء بالجسم و اختلال وظائفها بإفراز الهرمونات، و التي هي منظـومة متعددة الجوانب و معقـدة بالجسم البشري و سهلة التأثر بعلاجات الأورام، فكما هو معروف، تقوم الغدد الصماء، و منها الغدة الدرقية و الغدة الكـظرية و المبايض، بإفراز الهرمونات في الدورة الدموية، و التي بدورها تقوم بحثّ و تحفيز العديد من الوظائف البدنية، مثل تحفيز عوامل البلوغ و الإخصاب و ضبط وتيرة النمو الجسدي، و بإختلال و إعاقة النظام الهرموني، ( سواء نتيجة الضرر المباشر للأعضاء المختلفة، مثل الخصيتين أو المبايض، أو للجزء الدماغي الذي يتحكم في أنشطة الغدد الصماء و الذي قد يتضرر جراء العلاج الإشعاعي لمنطقة الرأس و الرقبة )، يمكن أن تتطور تعقيدات مختلفة، مثل تأخر البلـوغ أو ظهور علاماته مبكرة عن وقتها، و ضعف الخصوبة، و مشاكل إعاقة النمو و تأخر معدلاته، إضافة إلى التأثير على بُنية العظام و مدى طول القامة، و تأخر تحقيق البلوغ الكامل، و من المعتاد ظهور مثل هذا الانخفاض بوتيرة النمو بوضوح خلال الخمس سنوات الأولى عقب تلقي المعالجات في اغلب الأحوال.

و قد تساعد المعالجة بالإعاضة الهرمونية البديلة، بإعطاء جرعات من هرمونات النمو في إبطال و معالجة مثل هذه المضاعفات المؤذية للعلاج الإشعاعي، غير أنه ينبغي بطبيعة الحال دراسة هذا الخيار بتمعن شديد عند إعتباره بالحسبان، و تقصي مدى الحاجة إليه و عواقب استخدامه.

و بهذا الصدد من المفيد الإشارة إلى الغدة الدرقية و مضاعفاتها المحتملة، إذ أنها أكثر عرضة لخطر التأثر نتيجة العلاج الإشعاعي للرأس و الرقبة،  فقد تطرأ علة نقص الإفراز الدرقي ( Hypothyroidism )، حيث لا تتمكن الغدة الدرقية من إفراز الكمّ الكافي من الهرمون الدرقي، و التي من أعراضها التعب و الإرهاق الشديد و جفاف الجلد و ضعف الشعر، كما يمكن أن تظهر علّة فرط النشاط الدرقي ( Hyperthyroidism ) و إن كانت نادرة، و التي تطرأ نتيجة زيادة إفراز الغدة الدرقية، الأمر الذي يستدعي ضرورة إجراء الفحص السنوي لوظائف الدرقية طوال العشر سنوات اللاحقة لانتهاء معالجات الأورام، لتقصي مثل هذه المضاعفات و استخدام البدائل الهرمونية إن دعت الحاجة.


 

مضاعفات الإبصار و السمع

        قد تتأثر القدرة البصرية بعدة طرق نتيجة المعالجات، خصوصا عند وجود الورم بموضع يتلامس مع العيون أو قريبا منها، إذ أن لبعض العقاقير تأثيرات سُمية على العيون و قد تؤدي إلى نشوء تعقيدات مختلفة و إن كانت مؤقتة، مثل تشـوش الرؤية و ازدواجيتها و نشوء علة الماء الزرقاء ( glaucoma )، كما أن العلاج الإشعاعي الموجه لمنطقة العين قد يسبب علة إعتام عدسة العين أو كدر العين ( cataracts )، إضافة إلى أن الإشعاع، حين يُسلط على العظام قرب العينين، قد يسبب ضعفًا و قصوراً بنموها مما يؤدي إلى تشوهات بنمو الوجه قد لا تبدو واضحة في بعض الأحيان.

  كما يمكن للبعض من معالجات السرطان التسبب في نشوء مشاكل بالقدرات السمعية و فقد لحاسة السمع خلال فترات لاحقة عقب انتهاء المعالجات، فمثلا يمكن للعقاقير الكيماوية من فئة مركبات البلاتينيوم، مثل عقاري سيسبلاتين ( cisplatin ) و كاربوبلاتين
(
carboplatin ) التسبب في تلف بالشعيرات الحسية بالأذن الداخلية مما يؤدي إلى حدوث الفقدان الحسي للسمع، بينما يمكن أن تطرأ نفس هذه المضاعفات عند تلقي العلاج الإشعاعي للرأس خصوصا إن كان موجها لجذع الدماغ أو الأذنين، إضافة إلى نشوء الصمم التوصيلي ( conductive hearing loss ) الناتج عن تراكم الشمع أو السوائل أو نشوء الإلتهابات أو حدوث التصلب بالأذن الخارجية و الوسطى، كما أن العمل الجراحي بدوره قد يؤدي إلى نشوء مضاعفات السمع عند إجراء عمليات بالدماغ أو الأذنين أو بمواضع مرتبطة بالأعصاب السمعية.
و تجدر الإشارة إلى أن بعض الأدوية المساندة قد تؤثر على القدرات السمعية و يمكنها زيادة مضاعفات العقاقير الكيماوية على السمع، و من أمثلة ذلك بعض المضادات الحيوية مثل جينتامايسين (
Gentamicin ) و توبرامايسين ( Tobramycin ) و بعض أنواع مدرات البول مثل اللاسيكس ( Lasix ) أو ايديكراين ( Edecrin ).

و لذلك فمن المهم جدا إجراء الفحوصات الدورية للقدرات البصرية و السمعية أثناء تلقي المعالجات و لسنوات عقب إنتهائها، لتقصي مثل هذه التأثيرات، الأمر الذي سيمكّن من تغيير أو تعديل الخطط العلاجية مبكرا تلافيا لمضارها، و قد يصبح من الضروري بطبيعة الحال التوصية بإجراء بعض المعالجات لدى بعض الحالات، مثل إزالة كدر العين أو استخدام النظارات أو الاستعانة بالأجهزة السمعية.


 

 

تأثيرات الأجهزة التناسلية و النمـو الجنسي

عند الذكور :

        للعلاجين الكيماوي و الإشعاعي المقدرة على تخفيض إنتاج الحيوانات المنوية، و للجرعات الإشعاعية المنخفضة و بعض أنواع العقاقير الكيماوية حين تعطى منفردة تأثير مؤقت على معدلات الإنتاج، بينما تؤدي الجرعات الإشعاعية العالية و العديد من خطط العلاج الكيماوي المكثفة إلى نقص دائم و نهائي، و يؤثر نقص معدلات إنتاج الحيوانات المنوية سلبا بطبيعة الحال على الخصوبة و المقدرة على الإنجاب، و هذا أمر مهم يؤخذ في الحسبان قبل المباشرة بمعالجات السرطان عند المراهقين، حيث يمكن التفكير في حفظ المني ببنوك الأعضاء بحيث يتمكن المريض من الإنجاب لاحقا بالوسائل الاصطناعية.

و لوحظ أن الأطفال الصغار ممن تلقوا معالجات الأورام في أعمار بعيدة عن سن البلوغ هم اقل عُرضة لحدوث العجز في إنتاج الحيوانات المنوية، و بصفة عامة و بالنسبة للكثيرين لا يمكن التكهن بشكل جازم عن مدى تأثرهم بمعالجات الأورام و هم في طريقهم إلى مراحل البلوغ، و قد ثبت عند بعض الحالات أن انخفاض معدلات إنتاج المنويات يحدث بشكل مؤقت، إذ ارتفعت معدلات التعداد إلى المستويات الطبيعية عقب مُضي 15 سنة من انتهاء المعالجات.

و من جهة أخرى يمكن أن تظهر مضاعفات أخرى نتيجة تلقي العلاج الإشعاعي للدماغ، تشمل حدوث تبدلات في مستويات الهرمون الذكري الرئيسي التستستيرون ( Testosterone )، الأمر الذي يؤدي إلى تأخر أو العجز عن إكمال مرحلة البلوغ، أو ظهور علامات البلوغ المبكر، إضافة إلى احتمال نشوء العجز الجنسي و خمود الرغبات و علة العنة، و من الممكن تحقيق نتائج ايجابية برصد هذه التغيرات و مراقبتها بعناية و معالجة تأثيراتها مبكرا.

عند الإناث :

        تختل وظائف المبايض نتيجة تأثيرات كل من العلاج الإشعاعي للتجويف البطني و العلاج الكيماوي، و يعتمد مدى هذا الاختلال الوظيفي بشكل كبير على العمر و مرحلة البلوغ عند التشخيص و أثناء المعالجة، و لوحظ أن البنات اللائي لم يصلن مرحلة البلوغ عند تلقي المعالجات هم اٌقل عرضة لنشوء مثل هذه الاضطرابات، و من البديهي أن تتم حماية المبايض حين يكون الإشعاع لتجويف البطن ضروريا، إذ انه إضافة إلى تأثيره على خواص البويضات و بنيتها السليمة، يُضعف من مقدرة الرحم على حمل البويضات بالشكل الطبيعي خلال مراحل الحمل و حتى انتهائه.

كما يمكن للعلاج الإشعاعي للدماغ أن يؤثر على الهرمونات الضرورية لوظائف المبايض، و هذه التأثيرات بدورها تؤدي إلى عدم انتظام الحيض، و حدوث تغيرات في مراحل إنتاج البويضات، إضافة إلى البلوغ المبكر.

و مع أن بعض أنواع العقاقير الكيماوية تسمح بالنمـو العادي، و التقدم بمراحل البلـوغ و أداء الوظائف بشكل طبيعي عقب انتهاء المعالجات، إلا أن مخاطر ظهور مضاعفات العلاج الكيماوي لا تزال قائمة، و هي تشمل تأخر الطمث و انقطاع الحيض المبكـر، و ضعف الخصوبة.

الإنجاب :

        من الطبيعي أن يشعر الأطفال المرضى بالسرطان عقب إنتهاء المعالجات بمخاوف كثيرة تتعلق بمدى مقدرتهم على الإنجاب في المستقبل، و بمدى المقدرة على الاحتفاظ بالجنين و استمرار الحمل حتى الولادة، و من ثم إنجاب ذرية سويَة و بصحة جيدة، و رغم أن اغلبهم قادرون على إنجاب أطفال أصحاء و بدون تعقيدات إلا أن المخاطر تظل قائمة، حيث يمكن لضعف الخصوبة و انقطاع الطمث المبكر و المضاعفات العلاجية التأثير على أطوار الحمل و الولادة، و قد تكون الظروف أكثر ملائمة للحمل خلال السنوات المبكرة من الشباب لتعزيز فرص حصول حمل ناجح، و يُنصح دوما بالاستشارة الطبية المتخصصة حول الإنجاب و الخصائص الوراثية عند الشروع في تكوين عائلة.

و من ناحية أخرى لا تزال الدراسات جارية لمراقبة تطورات الأجنّة و مخاطر التشوهات الخلقية المحتملة عند ذرية الناجين من السرطان، و حتى الآن لم تثبت نتائج الدراسات الحديثة وجود علاقة متينة بين الأمرين، أي المعالجات و المخاطر، رغم أن الكثير من المخططات العلاجية قد تتضمن استخدام عدة عقاقير، و بجرعات لم يثبت أنها مأمونة على الذرية المستقبلية للأطفال المُعالجين.


 

 

 

  

التأثيرات على القلب و الجهاز القلبي الوعائي ( Cardiovascular System )

 

        تربط الأبحاث بين العقاقير الكيماوية المعروفة بفئة الانتراسايكلين ( anthracyclines ) و حدوث انخفاض في الأداء الوظيفي للقـلب و الأوعية القلـبية عقب انتهاء معـالجات الأورام، و مع أن لبعض الأنواع الأخرى مخـاطرها على الأوعية القلـبية ( cardiovascular ) غير أنها ليست بنفس مستوى التأثير، كما أن العلاج الإشعـاعي لمنطقة الصدر يٌعتبر أيضا مخاطرة على القلب، و بطبيعة الحال تساهم العديد من العـوامل في تحديد نسبة الخطورة، مثل الجرعات الكلّية المتلقاة، و قنوات الحقن و نوع العـقار و عمر الطفل عند تلقي المعالجات، و تُعد العناية الحريصة بمراقبة فاعلية القلب في أداء وظائفه من المسائل المهمة جدا، نظرا لعدم وجود أعراض تشخيصية استدلالية، و لا يمكن التقصي عن التعقيدات و المشاكل الممكن وجودها سوى بإجراء الفحوصات الخاصة بالقلب، مثل تخطيط صدى القلب ( echocardiogram ) باستخدام الموجات فوق الصوتية، و بإجراء الفحوصات الدورية، ليتسنى الكشف عن أية مضاعفات محتملة مبكرا و من ثم معالجتها إن اقتضت الحاجة.

و تجدر الإشارة إلى أن الدراسات السريرية لا تزال جارية لتقصي مدى الاستفادة من الأدوية التي ثبت أنها تحمي القلب و توصف للبالغين ممن يتلقون علاجا كيماويا مشابها، و التي قد تكون مفيدة للأطفال بنفس القدر.


 

 

 

 

التأثيرات على الجهاز التنفسي

     تُعد إختلالات الجهاز التنفسي من المشاكل المعتادة عند الأطفال ممن تلقوا العلاج الإشعاعي لمنطقة جدار الصدر، و التي تتضمن تناقص حجم الرئتين، و تليف الأنسجة الرئوية ( fibrosis )، ( و يستخدم هذا العلاج بصفة خاصة عند معالجة أورام هودجكن، و لدى الحالات التي تطورت لديها أورام ثانوية بالرئة انتقلت من مواضع أخرى )، و من التعقيدات المتوقعة أيضا نشوء التهابات الأنسجة الرئوية أو علة ذات الرئة ( pneumonitis )، و التي من أعراضها المبدئية السعال الجاف و صعوبة التنفس، و يمكن أن تصبح المضاعفات أكثر حدة عند دمج العلاج الإشعاعي و بعض أنواع العقاقير الكيماوية، التي يمكن أن تتسبب بمثل هذه المضاعفات، مثل عقار بليومايسين  ( bleomycin )، و الجدير بالذكر أن تعقيدات الجهاز التنفسي يمكن أن تظهر عقب مرور سنوات عديدة من انتهاء المعالجات، و إن كانت تظهر عادة بشكل مبدئي خلال فترة تتراوح بين السنة إلى السنتين.

و بطبيعة الحال ثمة معالجات متوفرة للمساعدة في التخفيف من أعراض ذات الرئة ( pneumonitis ) إضافة إلى  مشاكل تليف الأنسجة ( fibrosis )، و تساعد المتابعة الدقيقة و بعناية في تحديد المرضى الأكثر عرضة لنشوء هذه التأثيرات، و بالتالي إجراء بعض الفحوصات الخاصة لديهم بشكل دوري، إضافة إلى الاستشارة الدورية لطبيب اختصاصي بأمراض الرئة .


 

 

حول نشوء الأورام الثانوية

      يعتبر الناجون من السرطان بصفة عامة أكثر عرضة لخطر نشوء أورام ثانوية خلال حياتهم المستقبلية، و بدرجات تتفاوت من طفل لآخر، و هم أكثر عرضة لتطور الأورام التي تظهر عند الكبار عادة كلما تقدم بهم العمر، و تعتمد نسبة الخطورة بطبيعة الحال على العديد من العوامل، أهمها نوع الورم الأصلي المُعَالَج، و نوع العلاجات المتلقاة، ( فمثلا تظهر نسبة أعلى لتطور أورام ثانوية بمواضع الإشعاع لدى استخدام العلاج الإشعاعي )، إضافة إلى العوامل الوراثية، و تأثيرات التقدم في السن و الظروف الحياتية المختلفة، و الظروف البيئية، و العوامل الشخصية لكل طفل.

و كما سلفت الإشارة، تتراوح نسبة الخطورة و العرضة لتطور ورم ثانوي غير الورم الأصلي المُعالج بعد فترات متفاوتة بين 3 % إلى 12 % خلال العشرون سنة التالية لتشخيص و معالجة أيٍ من أنواع أورام الطفولة، و تفيد بعض التقارير الطبية عن إمكانية نشوء اللوكيميا النخاعية الحادة عند الأطفال ممن تلقوا جرعات مكثفة من العلاج الكيماوي لمعالجة مختلف الأورام، خصوصا معالجة اللوكيميا الليمفاوية الحادة، و أشارت بهذا الصدد إلى أنها تنشأ عادة خلال ثلاث سنوات بالمتوسط عقب تشخيص اللوكـيميا الليمفـاوية، و تشير بعض الدراسات إلى وجود علاقة قوية بين نشوء اللوكيميا النخاعية الحادة و بين استخدام جرعات عالية و لفترات طويلة من العقارين ايتوبوسايد ( Etoposide ) و سايكلوفوسفامايد ( Cyclophosphamide )، و الذي يُعتقد أيضا بوجود علاقة بينه و بين تطور سرطان المثانة الثانوي خلال سنوات لاحقة لدى بعض الحالات.

      و من ناحية أخرى أفادت بعض التقارير الطـبية عن خطر نشوء أورام دمـاغية ثانوية عند تلقي العلاج الإشعـاعي للجمجمة ( cranial radiation ) خصوصا إن تم استخدامه لدى الأطفال بسنّ تقل عن الخمس سنوات، و تُعد الأورام الدبقـية
(
Gliomas ) من أكثر أنواع الأورام الدماغية الممكن ظهورها، كما تفيد التقارير عن خطر تطور سرطان الغدة الدرقية ( thyroid cancer ) عند إشعاع الرقبة، و خصوصا لدى معالجة أورام هودجكن.

و قد أفادت نتائج إحدى الدراسات الطبية التي شملت 9100 طفلا ناجيا، و التي استهدفت تقصي مدى تطور أنواع أورام العظام لدى الناجين، بأن خطر تطور أورام العظام الغرنية ( Osteosarcoma ) بلغ نسبة 2.8 % عند الحالات التي شملتها الدراسة، و تركزت النسبة لدى المُعالجين من أورام جذيعات الشبكية الموروثة ( hereditary retinoblastoma ) حيث بلغت 14.1 %، و لدى المُعالَجين من مجموعة أورام يوينغ حيث بلغت نسبة 22.1 %، و تشير الدراسة إلى أن نسبة الخطورة تركزت بين المرضى المُعالجين بجرعات عالية من العلاج الإشعاعي و الاستخدام المكثف للعقاقير الكيماوية من فئة عناصر الألكلة ( alkylating agents ) دون غيرهم ( 1 ).

و تخلص دراسة أخرى مشتركة لعدة مراكز طبية متخصصة إلى أن نسبة الخطورة لنشوء أورام ثانوية عند الأطفال المعالجين بنجاح بلغت 9.2 % خلال العشرين سنة التالية عقب تشخيص الورم الأصلي و معالجته، و بلغت نسبة الأورام الغرنية ( Sarcomas ) الثانوية حوالي 6.5 % و لم يتطور أي منها لدى المُعالجين بجرعات مخفضة من العلاج الإشعاعي ( 2 ).

كما تربط العديد من الدراسات الطبية المتوسعة بين تلقي المعالجة الإشعاعية لكامل الجسم ( Total-body irradiation )، و المستخدمة خصوصا عند عمليات التهيئة لزرع نُـقى النخاع العظمي، و بين تطور أورام صلبة ثانوية، و خلصت إحداها إلى أن النسبة بلغت حوالي 8.3 % خلال 13 سنة من انتهاء المعالجات ( 3 ).

 


 

 

العناية الطبيـة

        تظل المتابعة الطبية الدقيقة و المستمرة لعدة سنوات عقب انتهاء معالجات أورام الأطفال من الجوانب المهمة جدا و الضرورية في معالجة السرطـان، و ينبغي إجراء الفحوصـات الدورية بشكل دائم تحسبا لأية مضاعفـات، و بطبيعة الحال سيقوم الأطبـاء بالمراقبة الحذرة لعلامات عودة الورم خلال هذه الفحوصات، إضافة إلى تقصي تأثيرات المعالجات سـواء على المدى القريب أو البعيد، و تتفاوت هذه المضاعفات بلا ريب من طفل لآخر، و تختلف باختلاف المعالجات و الخطط العلاجية.

و يبقى من المهم الإحاطة الشاملة بالمعالجات التي يتلقاها الطفل، و آثارها في المحصلة النهائية على جوانب حياته المختلفة و هو يكبر و يخطو نحو الرشد، حيث قد يتأخر ظهور الكثير من التأثيرات الجسدية و النفسية و العاطفية على الطفل، و بالطبع فمن المهم جدا التشاور مع الفريق الطبي المعالج عما يمكن توقعه من تأثيرات على المدى البعيد بناءا على الخطة العلاجية الخاصة بالطفل.

  أما المواضيع المتعلقة بالمشاعر و الأحاسيس فقد تظهر لاحقا بشكل يؤثر على كل مراحل و مستويات النضج و الرشد، و رغم أن معظم الأطفال الناجين يتأقلمون جيدا مع ظروف الحياة اليومية و نشاطاتها، و يندمجون بالمجتمع بشكل طبيعي، إلا أن الأثر الحقيقي لكونهم يعيشون كناجين من السرطان يظل بحاجة لمزيد من التفهم، فليس من السهل التأقلم مع نمط حياة صارم من ناحية مراعاة الضوابط الصحية المفروضة عليهم، و التوجس من عودة السرطان، و مواجهة متطلبات الحياة المختلفة و بناء العلاقات الاجتماعية و الزواج و تكوين عائلة، إضافة إلى مواجهة التمييز بين أقرانهم أو التمييز في ظروف العمل و نوعيته، أو الشعور بالإختلاف و فقد التماثل و النقص و ما إلى ذلك.

  و على الرغم من أن المضاعفات المتأخرة لمعالجات الأورام قد تسبب مشكلة بدورها لاحقا خلال مراحل الحياة، إلا أنها بالمحصلة نتيجة لعلاجات ناجحة أنقذت حياة الكثيرين من براثن مرض كان يعتبر مستعصيا و لا فكاك منه، و لا تزال الدراسات مستمرة في جميع أنحاء العالم، لإيجاد وسائل و طرق للتقليل من هذه الآثار و المضاعفات و معالجتها إن لم يكن تجنبها كليا.

 


المراجع :

 

 

 

1 -  MA Tucker, GJ D'Angio, and JD BoiceJr et al. Bone sarcomas linked to radiotherapy and chemotherapy in children N Engl J Med 1987. 317: 588-593

2 - JF KutteschJr , LH Wexler, and RB Marcus et al. Second malignancies after Ewing's sarcoma: radiation dose-dependency of secondary sarcomas J Clin Oncol 1996. 14: 2818-2825

3 - S Bhatia, NKC Ramsay, and M Steinbuch et al. Malignant neoplasms following bone marrow transplantation Blood 1996. 87: 3633-3639

 

آخر مراجعة :  12-02-2016 - دون تعديل

الرئيسية حول سرطان الطفولة أنواع الأورام معالجات السرطان العناية الداعمة

 

مقالات الموقع متاحة للطبع أو النشر بدون تقييد

Adam Childhood Cancer Society