تفاعل الأطفال المرضى و أشقائهم
يتفاعل الأطفال و المراهقون تجاه التشخيص بالسرطان سواء أكانوا مرضى أو أشقاء
للأطفال المرضى بمشاعر تتماثل في نمطها مع مشاعر و تفاعل الوالدين تجاه
الأمر، بل و قد تحاكيها تماما، و بطبيعة الحال يختلف تفاعل و مشاعر كل منهم
تبعا لمعلوماته و خبراته السابقة حول المرض بالسرطان و ما قد ينتج عنه، و
فيما يلي لمحة عن مجمل هذه التفاعلات و بعض المقترحات حول التعاطي معها.
الخوف و القلـق
يصاب الأطفال المرضى بالصدمة في اغلب الأحوال تجاه الانتقال المفاجىء من
الصحة إلى المرض و الأحداث المقلقة المترافقة مع الفحوصات و التحاليل و
الإجراءات الطبية التي تسبق التشخيص و اكتشاف المرض، و خصوصا إن استدعى الحال
الإقامة بالمستشفى لأول مرة مما يزيد من المخاوف و القلق، و من الطبيعي أن
تسيطر مثل هذه المشاعر و الانفعالات على الأطـفال المرضى و أشقائهم عقب
التشخيص، و ثمة الكثير مما يثيرها، فمن المخيف و المقلق معرفة المرء بان جسمه
لا يعمل بشكل سليم و انه ثمة خلايا سرطانية تجول بداخله، و يزداد التوتر لدى
مواجهة الأحداث الجديدة و المتلاحقة و التي قد ترافقها إجراءات طبية مـؤلمة،
و ليس من السهل التعاطي مع عمليات متكررة مثل خزع النخاع العظمي أو الخزع
الجراحي أو سحب عينات الدم المتكرر أو حتى الفحوصات التصويرية، كما انه من
المثير للقلق ضرورة التواجد بمكان غريب غير مألوف و التعامل مع أشخاص غرباء
كليا، إضافة إلى المشاعر التي تنشأ لرؤية الوالدين و العائلة متوترون و
منفعلون في جو الأزمة، و الشعور بفقد الثقة من المقدرة على تحمل و مواجهة
المعالجات و توابعها، دون أن نشير إلى التوتر الناشىء من مجرد التفكير في
التأثيرات الممكنة للمعالجات على الجسم أو كيف سيكون مظهره أو ردود فعل الناس
و الأصدقاء تجاهه، ناهيك عن المخاوف و القلق عند التفكير بأنه يمكن للمرء أن
يموت من مثل هذا المرض.
للأشقاء مخاوفهم الخاصة من جهة أخرى، فقد يشعرون بالخوف من إصابتهم بالسرطان
بدورهم، و رغم عدم معرفتهم بماهيته غير أنهم يدركون أن الإصابة به أمر سيء
جدا، كما قد يشعرون بالخوف و التوتر لمجرد زيارة المستشفى أو رؤية الطفل
المريض في وضعه الراهن أو معاناته للآلام، و قد يراودهم الظن بأنه لم يتم
إعلامهم بالحقيقة حول ما يجري، و يشعرون بالخوف لرؤية الوالدين في حالة جزع
أو انهيار، و من الطبيعي أن يشعروا بالقلق عند ابتعادهم عن والديهم و عند
وجودهم في رعاية آخرين من أعضاء العائلة أو الأصدقاء، و قد يتوجسون من الذهاب
إلى المدرسة و مواجهة الأسئلة التي لا يملكون إجاباتها حول الطفل و مرضه،
إضافة إلى خوفهم من احتمال موت شقيقهم المريض بطبيعة الحال.
الغضب و الشعور بالذنب
تُعد مشاعر الغضب و التوتر و الشعور بالذنب من التفاعلات العادية لدى الأطفال
المرضى و أشقائهم، و من الشائع أن يحنق المرضى و يشعرون بالغضب تجاه كل
الأمور الصعبة التي يواجهونها و التي يتوقع منهم القيام بها، و قد يشعرون
بالغيظ من نخزات الإبر، أو تناول أدوية غير مستساغة الطعم أو بلع برشامات
كبيرة الحجم، أو التحدث إلى العديد من الأشخاص الغرباء، أو الاستلقاء تحت
ألآت مخيفة المظهر و تصدر ضجة عالية مرارا و تكرارا، و قد يحنقون من انتهاك
خصوصياتهم و عزلهم داخل جدران المستشفى، و قد يتساءل الطفل المريض مغضبا عن
سبب إصابته هو بالذات بالسرطان.
و قد ينجم الشعور بالذنب حين يظن الطفل أو المراهق المريض انه أصيب بالسرطان
بسبب من سلوكياته أو كونه شخصا سيئا، أو بسبب من تصرف خاطىء فعله مثل الكذب
أو تجربة التدخين، و قد يشعرون بالمسؤولية عما أصابهم و تسبب في نشوء أزمة
بالعائلة و مدى تأثير ذلك على الوالدين خصوصا إن كان الوالدين أنفسهم يواجهون
متاعب خاصة بهم، كأن يكونوا مطلقين مثلا أو يعيشون نزاعا أو لديهم مشاكل
شخصية أخرى كالمرض أو العجز أو ما شابه.
الأشقاء من جهتهم يشعرون بالغضب و التوتر مما يجري مع شقيقهم، و يحنقون
للتغيرات الحاصلة بحياتهم نتيجة الأزمة و ارتباك روتين مجرياتها، و قد يشعرون
بالغيظ لظنهم بأن الوالدين أهملوهم أو لا يهتمون بهم، أو للاهتمام الكامل
الذي يتلقاه الطفل المريض، و قد يشعرون بالغيظ من الطفل نفسه لأنه أصبح مريضا
متسببا بكل هذا القلق لكل أفراد العائلة، و من المعتاد أن يشعروا بالذنب
لاحقا على مشاعرهم هذه عند تقدم المعالجات و معايشتهم للازمة و تبعاتها على
الطفل المريض و الضغوطات التي يعيشها الأهل.
الحزن و الأسى و الإكتئاب
و هي مشاعر معتادة لدى الأطفال المرضى و أشقائهم، فالمرضى و حسب سنهم و نوع
المرض قد يدركون سريعا أن حياتهم تغيرت كليا و أنهم سيعجزون عن القيام
بالنشاطات المهمة بالنسبة إليهم لفترات طويلة إن لم يكن نهائيا، و قد يشعرون
بالحزن لإدراكهم أنهم أصبحوا مختلفون عن أقرانهم و يكتئبون لمجرد التفكير في
مواجهة الأشهر الطويلة من المعالجات و تأثيرها على حياتهم، و التغيرات الممكن
حدوثها بالجسم و نظرة الآخرين و تفاعلهم حيالها، بل و قد يشعر بعضهم
باللاجدوى و التخوف من عدم الفائدة من المعالجات.
الأشقاء بدورهم يشعرون بالحزن حين يدركون أن الطفل مريض بشكل جدي و سيحتاج
لمعالجات صعبة و طويلة الأمد، و عند إدراكهم لمدى الضغوطات التي يعيشها
الوالدين، و سيرتبك الأطفال الصغار عند افتقادهم لرعاية الوالدين اليومية حين
انشغالهم لأيام أو أسابيع مع الطفل المريض، بينما قد يشعر المراهقون بشيء من
الإكتئاب أو الإحباط عند إدراكهم لخطورة وضع شقيقهم و قد يثيرون أسئلة مختلفة
قد تربك الوالدين مثل التساؤل عن مدى هشاشة الحياة أو جدواها.
و بطبيعة الحال يعبر الجميع ( الأطفال المرضى و أشقائهم ) عن مختلف هذه
المشاعر و الانفعالات الطبيعية بنمط يتسق مع العمر و المستوى الإدراكي و
المعرفي و درجة النضج و المزاج و المقدرة على التعامل مع الأحداث، و يختبر
الجميع في هذه المراحل العمرية مشاعرهم و انفعالاتهم محاولين تحديدها و إيجاد
الوسائل للتعبير عنها و للتواصل مع الآخرين، مع حساسيتهم الشديدة تجاه
تقاعلات الناس المحيطين بهم و طريقتهم في التعبير عنها، و من الطبيعي أن
يفتقد الأطفال للمقدرة على التحدث عن مخاوفهم أو قلقهم أو شعورهم بالذنب أو
حزنهم و قد لا يرغبون بذلك، غير أنهم و غالبا يفصحون عنها عبر السلوكيات و
التعابير الجسدية، مستطلعين من حولهم من الأهل لمعرفة كيف يتعاملون مع
مشاعرهم المتشابكة و كيف يعبرون عنها.
بالفقرات التالية بعض المقترحات مما يمكن أن يساعد في التعامل مع هذه
المشاعر و الانفعالات لدى كل فئة عمرية.
|