الحُمّى و التعـرّق لدى مرضى السرطـان

Fever & sweats

• مقدمـة

• المسببات

  • العـدوى

  • تأثيرات الأورام

  • العقـاقير

  • نقل مركبات الـدم

• تقصي الحُمّى

• توصيات لتخفيف الآم الحُمّى

• حول التعـرّق

• معالجة التعـرّق

مقـدمـة

        تتبع حرارة جسم الإنسان طبيعيا نمطا و إيقاعا متناغما في الظروف العادية، تكون عادة منخفضة نسبيا في الصباح و أكثر ارتفاعا مساءا، و يحافظ الجسم على معدلات الحرارة الطبيعية بالقيام بنشاطات تضبط التوازن بين معدلات إنتاج الحرارة و معدلات فقدها، و ينجم الارتفاع غير الطبيعي في درجة حرارة الجسم إما نتيجة ما يُعرف بظاهرة الإفراط الحراري ( hyperthermia ) أو نتيجة الحُمّى، حيث ينشأ الإفراط الحراري بسبب فشل نظام ضبط الحرارة في الجسم، بينما عند الحُمّى فهذا النظام يعمل جيدا، إلا أن حرارة الجسم تظل ترتفع حين يعمل الجسم جاهدا على مكافحة العضويات الدقيقة الغريبة، مثل البكتيريا أو الفيروسات.

    و للحمّى ثلاثة مراحل، في المرحلة الأولى يقوم الجسم برفع الحرارة إلى مستوى جديد بأن يقبض الأوعية الدموية بالجلد، ليدفع بالدم من سطح الجلد إلى داخل الجسم، و ذلك للمساعدة على حجز الحرارة، مما يجعل الجلد أكثر برودة، و تنقبض العضلات و يبدأ الجسم في الارتجاف، و تتولد حرارة أكثر، و يستمر جهد الجسم في إنتاج الحرارة و ضبطها حتى الوصول إلى درجة حرارة أعلى.

تتساوى في المرحلة الثانية معدلات توليد الحرارة و معدلات فقدها و يتوقف ارتجاف الجسم، و يحافظ على الدرجة الجديدة، بينما في المرحلة الثالثة تبدأ الحرارة بالانخفاض، إذ يقوم الجسم بتصريف الحرارة الزائدة عبر توسيع الأوعية الدموية بالجلد، و يتدفق الدم من الداخل إلى سطح الجلد، و من ثم يبدأ التعرق ليساعد على تبريد الجسم.

و تؤثر الحُمّى بدرجة اكبر على الأطفال و كبار السن، فقد لا يعمل نظام ضبط حرارة الجسم جيدا عند المتقدمين في العمر، مما يتسبب في عدم انتظام نبض القلب و ضعف تدفق الدم، إضافة إلى النكسات القلبية و بعض التغيرات الذهنية، أما الأطفال بالأعمار ما بين الستة اشهر و السادسة فقد يتعرضون لنوبات مرضية متكررة بسبب من الحُمّى.

المسببات

     من أهم الأسباب الرئيسية لنشوء الحُمّى لدى مرضى السرطان :

    الأورام نفسها بطبيعة الحال، و التعرض للعدوى، و الحساسية للأدوية، أو الحساسية تجاه الدم المنقول بعمليات نقل الدم، و نشوء علّة المطعّمات ضد المُضيف عند عمليات زرع النخاع العظمي أو خلايا المنشأ المحيطية الدورية، حيث تقوم الخلايا المزروعة بمهاجمة أنسجة المريض.

و ثمة بعض الأسباب الأخرى إضافة إلى ذلك تسبب الحُمّى، مثل أعراض انقطاع الدواء، و نشوء انسدادات في المثانة أو الأمعاء أو الكلى، أو نشوء انسداد بشريان ما بواسطة جزئيات ورمية، و حدوث علل أخرى متزامنة مع السرطان، مثل تجلطات الدم، أو تأثيرات بالأنسجة الضامّة، أو نزف بالجهاز العصبي المركزي.

الحُمّى الناتجة عن العـدوى

        قد تظهر الحُمّى عند مرضى السرطـان كمؤشر على التعرض لعـدوى جدّية و خـطرة، يلزم معالجتها بأقصى السرعـة، و تُعزى الحُمّى عادة إلى وجود عوز بالخلايا المتعادلة بكريات الدم البيضاء ( neutropenia ) عند المريض، حيث لا تتوفر أعداد كافية من الخلايا المقاومة للعدوى في الدورة الدموية، و يُعد ظهور الحُمّى مترافقة مع حالة العوز مؤشرا قويا على وجود عدوى مهددة للحياة، و تنتج حوالي ثلثي حالات الحُمّى عند مرضى السرطان عن التعرض للعدوى بسبب استمرار حالة العوز لفترات طويلة، و تكون الحُمّى في مثل هذه الحال مؤلمة و منهكة و قد يصاحبها الارتجاف و التعرق الشديدين، حيث يجاهد الجسم للتحكم في حرارته، و يبدأ خط العلاج الأولى عادة باستخدام المضادات الحيوية، و التي من المعتاد أن يستمر تناولها لفترة زمنية تتراوح بين خمسة إلى سبعة أيام طالما توقفت الحُمّى و العدوى، و قد تبدأ معالجة الفطريات إن استمرت الحُمّى عقب مرور أسبوع من بدء تناول المضادات الحيوية.

الحُمّى الناتجة عن الأورام

        تتسبب بعض أنواع الأورام في الحُمّى، كما أن ظهور الحُمّى و درجة شدتها قد يعكسان نمو أو انتشار الورم، و من المعتاد أن تتسبب بعض الأورام بالحُمّى بصفة خاصة مثل أورام هودجكن الليمفاوية، و أنواع اللوكيميا و الأورام الليمفاوية، و أورام الكِـلى و العظام و الغدة الكظرية، بينما من غير المعتاد أن تتسبب بعض الأورام بالحُمّى إلا في حال انتقال الورم إلى الكبد، منها أورام الثـدي و الرئة و القولون، و من جهة أخرى تنشأ الحُمّى نتيجة وجود أورام تسد القنوات الهضمية، أو المعدة، أو المسالك البولية أو أجزاء الجهاز التنفسي.

        و من المعتاد أن تطرأ الحُمّى في مثل هذه الحالات بشكل دوري يمكن تحديد نمطه، و قد تظهر في أوقات معينة من اليوم، كما قد تطرأ في فترات غير محددة، و قد تتوقف لأيام أو أسابيع، و تجدر الإشارة إلى أن الباحثين لا يعلمون على وجه الدقة الكيفية التي تعمل بها الأورام للتسبب بالحُمّى.

و من المعتاد أن تتوقف دورات الحُمّى عند بدء المعالجات القياسية للأورام المسببة لها و القضاء عليها، و من جهة أخرى قد تعود بعودة هذه الأورام، و من هنا قد يُعد نشوء الحُمّى عند بعض الحالات مؤشرا على عودة بعض الأورام ( فمثلا قد يُعد استمرار دورات الحُمّى عند حالات اللوكيميا الحادة، عقب معالجة العدوى، مؤشرا على عودة السرطان سواء إلى الخصيتين أو السحايا رغم عدم ظهوره بالنخاع العظمي )، و إن كان العلاج المستخدم غير فعال أو لا تتوفر علاجات، فمن المعتاد تناول الأدوية غير الستيرويدية و المضادة للالتهابات لمعالجة الحُمّى.

الحُمّى الناتجة عن العقاقير

        قد تنشأ الحُمّى عند مرضى السرطان نتيجة تفاعل الجسم نحو تعاطى بعض أدوية معالجة الأورام، و تُعد عقاقير العلاج المناعي ( أو ما يُعرف بالأدوية المُعدلة للاستجابة الحيوية )، من المسببات الشائعة للحمى، و كذلك الحال مع بعض المضادات الحيوية مثل الامفوتريسين ( amphotericin )، إضافة إلى بعض الأنواع من عقاقير العلاج الكيماوي بطبيعة الحال مثل عقار بليومايسين ( bleomycin ).

و من المعتاد معالجة مثل هذه الأوضاع إما بوقف تعاطي العقار المشتبه بتسببه بالحُمّى أو باستبداله، و في حالة أدوية العلاج المناعي قد يتم التحكم بالحُمّى بتغيير نوع العقار المناعي المستخدم، أو بتعديل الجرعات أو تغيير طريقة التناول، و من جهة أخرى يمكن تجنب الحُمّى قبل تناول الدواء المسبب لها؛ بإعطاء المريض عقار اسيتامينوفين ( Acetaminophen )، أو مضادات الالتهابات غير الستيرويدية، أو العقاقير الستيرويدية أو مضادات الهيستامين حسب الحال، و من جهة أخرى يتم تناول بعض الأدوية الخاصة لمعالجة الارتجافات المصاحبة للحمّى، مثل عقار ميبرايدين (Meperidine  ).

الحُمّى الناتجة عن عمليات نقل مركبات الـدم

        قد تنشأ الحُمّى عند مرضى السرطان نتيجة تفاعل الجسم تجاه مركبات الدم المنقولة إليهم، و هذا يحدث عادة كرد فعل مناعي تجاه كريات الدم البيضاء الموجودة بالدم المنقول، و يمكن التقليل من هذا التفاعل بفصل الكريات البيضاء أو بالمعالجة الإشعاعية لمركبات الدم قبل إجراء عمليات النقل، كما يمكن معالجة الحُمّى في مثل هذه الأحوال بتناول بعض الأدوية، مثل مضادات الهيستامين، أو عقار اسيتامينوفين ( acetaminophen ) قبيل نقل أيٍ من مركبات الدم.

 

تقصي الحُمّى

        للتحري عن أسباب الحُمّى و ترتيب الخطة العلاجية، يتم التقصي عن التاريخ الصحي للمريض و المشاكل السابقة، و خط العلاج الذي يتبعه و الأدوية المتناولة، إضافة إلى الفحص البدني الشامل، خصوصا إن كانت الحُمّى متزامنة مع حالة عوز كريات الدم البيضاء،  و يتركز الفحص على الجلد، و فتحات الجسم المختلفة ( الفم و الأنف و الأذنين و الشرج و القنوات البولية )، إضافة إلى الأسنان و اللثة و اللسان و الحنجرة، و مواضع غرز الإبر، و أنابيب الحقن الوريدي أو أنابيب التغذية الوريدية، و يتم إجراء مختلف التحاليل للدم و البول و اللعاب لتحديد علامات العدوى.

و تجدر الإشارة إلى أن علامات الحُمّى المعتادة قد لا تظهر على بعض المرضى عند وجود عوز بكريات الدم البيضاء، الأمر الذي يستدعي ضرورة إجراء الفحوصات الدورية، و بطبيعة الحال ينبغي عدم إهمال الحُمّى، حيث تُعد مؤشرا على خطر شديد يتهدد المريض.

توصيات لتخفيف الآم الحُمّى

        بالتوازي مع معالجة الأسباب الكامنة وراء نشوء الحُمّى، يمكن اتخاذ بعض الخطوات التي من شانها المساعدة في التخفيف من شدتها و إراحة المريض، لعل أهمها ضرورة إعطاء المريض الكثير من السوائل لحاجته الشديدة إليها، حيث يقوم الجسم باستخدام السوائل و السعرات الحرارية بسرعة اكبر عند ارتفاع حرارته، ( و نقصها بالتالي يتسبب في نشوء مشاكل إضافية عند المريض الذي يعانى أصلا من نقص المغذيات و قلة الأكل )، إضافة إلى التخفيف من الملابس الزائدة و البطانيات أو ملاءات الأسّرة، كما أن الاستحمام أو استعمال الكمادات بماء فاتر أو بدرجة حرارة الغرفة يساعد أيضا في إراحة المريض، و نشير إلى ضرورة عدم استخدام الماء البارد، أو كمادات العبوات الثلجية، أو المفارش و الملاءات المبردة، أو كمادات الكحول، و عند نشوء الارتجافات يلزم تغيير المفارش المبللة بأخرى جافة، و إبعاد المريض عن أية تيارات هوائية، و تعديل حرارة الغرفة.

    و بُغية تخفيف الأعراض قد يصف الطبيب مضادات الالتهاب غير الستيرويدية، أو عقار اسيتامينوفين أو مثيلاته، و نشير إلى أن الاسبيرين قد يكون مفيدا في تخفيض الحرارة، إلا انه يلزم اتخاذ الحذر الشديد عند استخدامه لدى اغلب مرضى السرطان، خصوصا المرضى بأورام هودجكن، أو من قد تنخفض لديهم معدلات الصفائح الدموية لأي سبب، كما انه و بصفة خاصة لا يوصف للأطفال عند الحُمّى.

حول التعـرّق

         يتم إفراز العرق بواسطة الغدد العرقية في الجلد، و يساعد التعرق في تبريد الجسم، و قد ينشأ عند التعرض للأمراض، أو عند التواجد في بيئة دافئة أو عند بذل مجهود عضلي مثل التمارين المختلفة، أو يكون مصاحبا للحُمّى، أو مترافقا مع ما يُعرف بهبَات الحرارة ( hot flashes )، و يُعانى أغلب مرضى سرطان الثدي و البروستاتة من هبات الحرارة سواء بشكل معتدل أو حاد، و مع أنها لا تكون حادة عند النساء العاديات ممن بلغن سن اليأس و ينخفض نمط تكرارها مع الزمن، إلا أنها تستمر عند المرضى بسرطان الثدي عقب الشفاء دون أن تنخفض وتيرتها، و الأمر نفسه مع الرجال ممن تمت معالجتهم جراحيا من أورام البروستاتة.

        و يمكن أن تعزى أسباب التعرق عند مرضى السرطان إلى الأورام نفسها أو علاجاتها المختلفة، أو أوضاع صحية أخرى ليست مرتبطة بالسرطان، كما يعتبر التعرق من الأعراض الاعتيادية عند بعض الأورام مثل ورم هودجكن، و أورام خلايا الكروماتين القاتمة ( pheochromocytoma )، و الأورام المتصلة بالجهاز العصبي و الغدد الصماء، و من مسببات التعرق أيضا :

• بلوغ سن الإياس عند النساء ( طبيعيا، أو جرّاء جراحات استئصال المبايض، أو تأثيرات العـلاج الكيمـاوي و الإشعاعي أو الهرموني على المبايض ).

• فقد الخصوبة عند الرجال سواء بجراحات استئصال الخصيتين أو العلاج الهرموني.

• بتأثير بعض الأدوية مثل عقار تاموكسيفين ( tamoxifen ) و مضادات الإكتئاب و العقاقير الستيرويدية.

• نشوء تعقيدات في منطقة ما تحت المهاد أي الوِطاء بالدماغ ( hypothalamus ).

معـالجة التعرّق

        يُعالج التعرق المصاحب للحمّى بمعالجة الحُمّى نفسها، و يتم التحكم بالتعـرّق الناتج عن الأورام عادة عند معالجتها، و ثمة عدة أدوية لمعالجة التعرق بصفة عامة عند مرضى السرطـان، و من جهة أخرى يُنصح دوما بارتداء الملابس القطـنية الفضفاضة و الواسعة، و استخدام المراوح المناسبة و التمرن على الاسترخاء لتخفيف شدة التعرق.

      و من المعتاد أن تتم معالجة هبات الحرارة ( Hot flashes ) المتزامنة مع توقف الطمث ( سواء طبيعيا أو بسبب العلاجات ) بإعاضة الاستروجين ( estrogen replacement )، ( رغم أنه لا يمكن للعديد من النساء تناول هرمون الاستروجين خصوصا المريضات بأورام الثدي )، و رغم وجود عدة عقاقير لمعالجة هبات الحرارة إلا أنها غالبا تكون غير فعالة أو ذات مضاعفات جانبية غير محتملة، و قد تساعد تمرينات الاسترخاء في التخفيف من حدتها.